السيرة الذاتية للمغفور له بإذن الله أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد تقبله الله

في الرابع عشر من شهر شوال لعام 1436 الجاري أكد مجلس شورى القيادي بالإمارة الإسلامية، وأسرة سماحة أمير المؤمنين في بيان وفاة مؤسس إمارة أفغانستان الإسلامية وزعيمها أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد. وقد كان لخبر وفاة سماحة أمير المؤمنين انعكاس واسع في البلد والعالم الإسلامي بأسره، حيث عبر المسلمون، والمجاهدون، والمتدينون، والجماعات الإسلامية  من […]

في الرابع عشر من شهر شوال لعام 1436 الجاري أكد مجلس شورى القيادي بالإمارة الإسلامية، وأسرة سماحة أمير المؤمنين في بيان وفاة مؤسس إمارة أفغانستان الإسلامية وزعيمها أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد.

وقد كان لخبر وفاة سماحة أمير المؤمنين انعكاس واسع في البلد والعالم الإسلامي بأسره، حيث عبر المسلمون، والمجاهدون، والمتدينون، والجماعات الإسلامية  من مختلف أقطار العالم عن حزنهم على وفاة زعيم الإمارة الإسلامية، وذكروه في صالح دعواتهم، وأظهروا انتماءهم بذكر حسناته ومناقبه.

وبما أن حياة أمير المؤمنين رحمه الله، وسيرته الذاتية الآن أصبحت موضوعاً خبرياً وإعلامياً ساخناً، فلكي یُصَدّ طریق الإشاعات الخاطئة أمام بعض أصحاب الأقلام وكتّاب التاریخ الكذّابین والحلقات المغرضة فیما یتعلّق بالحیاة الذاتیة ومواصفات أمیر المؤمنین، ولتظهر المعلومات الحقیقیة وتتّضح الصورة أمام الكتّاب وعامّة الناس في هذا المجال فإننا نقدّم السیرة الذاتیة لسماحة أمیر المؤمنین – رحمه الله – في السطور التالیة:

المولد والنشأة:

الملا محمد عمر “مجاهد” هو ابن المولوي غلام نبي بن المولوي محمدرسول بن المولوي بازمحمد، ولد في عام (1960م) في أسرة متدینة من قریة (چاه همت) بمدیریة (خاكریز) من ولایة (قندهار). وكان والده المولوي غلام نبي أیضا ولد في نفس المدیریة، وفيها نشأ وأخذ العلوم الشرعية في المدارس والحلقات المختلفة علی يد علمائها ، و لاشتغاله في مجالي الدعوة و التدریس بین الناس؛ عُرِف كشخصیة علمیة واجتماعیة في تلك المنطقة.

بعد عامین من مولد الملا محمد عمر”مجاهد” انتقلت أسرته من مدیریة (خاكریز) إلی قریة (نودي) في مدیریة (دند) من هذه الولایة، واشتغل والده هناك بالدعوة و التدریس إلى أن وافته المنية في تلك المنطقة عام (1965م)،  و دُفن بمقبرة طالبان القدیمة الشهیرة في مدینة ( قندهار).

بعد وفاة والده انتقلت أسرة الملا محمدعمر “مجاهد” من مدیریة (دند) في (قندهار) إلی مدیریة (دهراود) في ولایة (أرزگان)، وهناك بدأ المرحلة الأولی من حیاته تحت رعایة عمّیه المولوي (محمد أنور) والمولوي (محمد جمعة).

دراسته:

في الثامنة من عمره دخل الملا محمد عمر”مجاهد” المدرسة الابتدائیة الشرعية في منطقة (شهركهنه) من مدیریة (دهراود) والتي كان یشرف علیها عمّه المولوي (محمد جمعة)، فبدأ دراسته الشرعية الإبتدائیة علی عمّه في تلك المدرسة. وكان لكلا عمّیه و المولوي محمد أنور دور هام في تعلیم ورعاية الملا محمد عمر.

أتم الملا محمد عمر”مجاهد” دراسته الإبتدائیة والمتوسطة في هذه المدرسة بنجاح. ومع بلوغه الثامنة عشرة من عمره بدأ بدراسة العلوم الشرعیة العلیا وفق المنهج الرائج في أفغانستان، إلا أنّ دراسته لهذه المرحلة انقطعت في عام (1978م) بسبب الانقلاب الشیوعي ووصول الشیوعیین إلی سدّة الحكم في أفغانستان.

عائلته:

من ناحیة الإنتماء القبلي فإن الملا محمد عمر “مجاهد” ینتمي إلی فخذ (تومزي) من قبیلة (هوتك) البشتونیة، وقبیلة (هوتك) أحد الفروع الرئيسية للبشتون. ولهذه القبیلة أبطال مجاهدون وقاده وطنیون، أصحاب الرأي والتدبیر في تاریخ أفغانستان المعاصر أمثال القائد الإسلامي الشهیر (الحاج میرویس خان).

والغازي الكبیر (الحاج میرویس خان) رحمه الله تعالی الذي یلقبه الأفغان احتراماً له بـ (ميرويس نيكه) أي (الجد ميرويس) هو من حرّر أفغانستان من الحكم الصفوي الظالم عام (1088هـ) الموافق (1712م)، وأسّس فیها للأفغان حكومة إسلامیة مستقلّة قویة.

أجداد الملا محمد عمر “مجاهد” من العلماء ومدرسي العلوم الشرعية، وقد وقفوا حیاتهم لخدمة دین الله عز وجل، وتدریس العلوم الشرعية، وتربیة المسلمین دینیاً وفكریاً، ولذلك كان لهم القبول الواسع في النفوس، وكانوا یحظون بالشرف والمكانة الاجتماعیة العالیة في مجتمعهم.

إنّ مولد الملا محمد عمر “مجاهد” في مثل هذه الأسرة المتدينة والعلمية، ونشأته تحت الإشراف المباشر للمربّین العلمیین والفكریین أوجدت فیه الصلاحیة الفكریة والجهادیة، وتسبّبت في بزوغه بین أفراد المجتمع الأفغاني كشخصیة إسلامية تمتاز بالإخلاص، والجهاد، والشفقة، والمشاعر الدینیة الفیاضة، حيث استطاع بجهاده وجهوده الإصلاحیة أن یجنّب مجتمعه من الفساد، والظلم، والحیف، وأن  یجنّب أفغانستان من شرّ التجزئة المحتّم.

إنّ أسرة الملا محمد عمر “مجاهد” أسرة مجاهدة، وإخوته وأعمامه كلهم مجاهدون، و قد قدّم أربعة من أفراد أسرته شهداء في سبیل الله تعالی. واستشهد عمّه الملا محمد حنفیة بتاریخ 7/ 10/ 2001م اثر الغارة الأمريكية الغاشمة في الیوم الأول للهجوم الأمریكي علی أفغانستان.

جهاده:

كان الملا محمد عمر “مجاهد” لایزال في العشرینیات من عمره إذ سیطر الشیوعیين علی الحكم عن طریق إنقلاب عسكري، وبعد ذلك الإنقلاب لم یكن من الممكن للملا محمد عمر “مجاهد” ولا أمثاله من طلاب العلم الاستمرار في مواصلة طلب العلم، لأنّ حرب الشیوعیین الملحدین كانت ضدّ العلماء وطلبة العلم، وطلاب الجامعات، والمنورین المسلمین،علی مستوی البلد كله، و لذلك رأی الملا محمد عمر المجاهد ضرورة ترك مواصلة الدراسة الشرعیة في المدرسة والالتحاق بجبهة الجهاد لأداء مسؤولیته الشرعیة. فبدأ جهاده في مدیریة ( دهراود) من ولایة (أرزگان) في جبهات (حركة الإنقلاب الإسلامي).

وبعد فترة من الجهاد في هذه المدیریة ظهرت شخصیة الملامحمد عمرالمجاهد كأشجع قائد جهادي معروف علی مستوی ولایة (أرزگان)، وقد قام بدور فعّالٍ في كثیر من العلمیات الجهادیة في مختلف ساحات هذه الولایة، وبسبب شهرته الجهادیة وقیامه بعملیات موفّقة حاز علی قبول واسع و ثقة كبیرة بین المجاهدین آنذاك.

وحین أراد المجاهدون آنذاك القیام بعملیات هجومیة موحّدة في مدیریة (دهراود) ضدّ الشیوعیین عیِّنوا الملا محمد عمرالمجاهد قائدا عاماً للمعركة من قِبَل مختلف جبهات المجاهدین. فقام بعملیات موفّقة ضدّ العدوّ، وكانت إصابته الأولی بالجرح أیضا في تلك المعركة، و هكذا خاض معارك كثیرة وجهاً لوجه لأكثر من ثلاث سنوات ضدّ الروس والشیوعیین إلی جوار إخوانه المجاهدین في تلك المنطقة.

یقول أصحاب الملا محمد عمر المجاهد ومسؤولوه في جبهة الجهاد آنذاك: إنّ الملامحمدعمر مع أنّه  كان لازال شاباً في ذلك الوقت إلا أنّه كانت فیه صلاحیة تحمّل المسؤولیة والقیام بجمیع أعمال الجهاد، وكان یتمتّع بصحة جیدة جداً.

وبعد أن أمضی أعواماً في الجهاد في ولایة (أرزگان) ذهب في عام (1983م) مع إخوانه المجاهدین بقصد تنسیق الفعّالیات الجهادیة إلی مدیریة (میوند) في ولایة (قندهار)، وواصل جهاده هناك ضدّ الروس والشیوعیین في جبهة القائد الجهادي الشهیر (فیض الله آخندزاده) الذي كان یتبع منظمة (حركة الانقلاب الإسلامي). وبسبب جهاده وإخلاصه ومشاركته الموفّقة في كثیر من العملیات الجهادیة و بمعرفته لأسالیب القتال وشهرته فیها صار موضع ثقة المجاهدین علی مستوی تلك المنطقة، و فوّضت إلیه مسؤولیة جبهة جهادیة مستقّلة من قِبَل تنظیم (حركة الانقلاب الإسلامي) بقیادة الشیخ المولوي (محمد نبي المحمدي).

قام الملا محمد عمرالمجاهد بعملیات جهادیة موفّقة في الفترة مابین 1983م إلی 1991م في المناطق التابعة لمدیریات (میوند) و(ژړي) و(پنجوایي) و(دند) والتي عُرفت بمعاقل المجاهدین ضدّ القوات الروسیة، وكانت تشهد كل یوم معارك بین المجاهدین والقوات الروسیة، وكذلك في مناطق (شهرصفا) والساحات التابعة لمدینة (قلات) مركز ولایة (زابل)، وكان یشترك في جمیع تلك العملیات بنفسه.

السلاح المفضّل عند الملا محمد عمر المجاهد كان قاذف (R.P.G) و كان یملك في استعماله مهارة خاصة. و یجدر بالذكر أن ولایة (قندهار) وبخاصة مدیریة (میوند) و (ژړي) و(پنجوایي) كانت هي المناطق التي عرفت آنذاك بالمحاور الرئيسیة لهزیمة القوات الروسیة.  ومن كثرة السیارات والدبابات الروسیة المحروقة في هذه المناطق كان الجنود الروس جعلوا منها جدراناً واقیا علی طرفي الطریق الممتد بین (قندهار) و(هرات) لتحفظهم من نیران المجاهدین.

أصیب الملا محمد عمرالمجاهد في الجهاد ضدّ الروس والشیوعیین بالجروح لأربع مرات، وقد حُرِمَ من عینه الیمنی في المرّة الأخیرة.

كان الملا محمد عمر المجاهد یُعرَف كقائد جهادي بارز علی مستوی (قندهار) والولایات المجاورة في الجهاد ضدّ الروس والشیوعیین. وكان له دور قوي ومؤثر في كثیر من العملیات الجهادیة وسنذكر في السطور التالیة جانباً من ذكریات جهاده ضدّ الروس كأمثلة نقلاً عن بعض أصحابه لذلك الوقت وهي كالتالي:

1 –في ولایة (قندهار) كانت هناك نقطة عسكریة للعدوّ شدیدة الاستحكام وكانت تُسمّی (بدوانو پوسته)، وكان العدوّ قد أوقف في تلك النقطة العسكریة دبّابة في موقع حساس جدّا حیث كانت تستهدف المجاهدین بنیرانها، وكان المجاهدون قد تضایقوا منها كثیراً، حاول المجاهدون كثیراً أن یستهدفوا تلك الدبابة ویتخلّصوا من شرّها، ولكنهم لم یفلحوا في استهدافها علی الرغم من المحاولات المتكرّرة، وأخیراً دعا المجاهدون لهذه الدبابة الملامحمد عمرالمجاهد من جبهة (سنگ حصار)، فاستطاع الملا محمد عمرالمجاهد أن یستهدف تلك الدبابة بقاذف (R.P.G) وإحراقها، وكانت هذه الحادثة إنجازاً كبیراً للمجاهدین في ذلك الوقت.

2 –في إحدی المعارك ضدّ القوات الروسیة في منطقة (محلّه جات) القریبة من مدینة قندهار أحرق الملا محمد عمر المجاهد دبّابات وسیارات كثیرة للعدوّ برفقة صاحبه الملا عبیدالله – الذي صار فیما بعد وزیراً للدفاع أیام حكومة الإمارة الإسلامیة ونائباً لأمیرالمؤمنین بعد الغزو الأمریكي- ومن كثرة السیارات والدبابات المحروقة في قوّات  العدوّ كان الناس حین ینظرون من البعید إلی  الرتل المحروق في یوم الغد یظنون أنّ قوات العدوّ لازالت لم ترحل، مع أنّ العدوّ كان قد فرّ من الساحة، وخلّف وراءه عدداً كبیراً من الدبابات والآلیات المحروقة.

3 – في یوم من الأیام في زمن الجهاد ضدّ الروس كان الملا محمد عمر المجاهد مع صاحبه (الملابرادر)- الذي صار فيما بعد أحد نائبي أمیر المؤمنین- في منطقة (سنگ حصار)، وكان یمّر رتل الدبابات الروسیة علی طریق قندهار- هرات، و كان مع الملامحمد عمرالمجاهد قاذف واحد وأربع قذائف فقط لقاذف (R.P.G)، فبدأوا المعركة ضدّ رتل القوات الروسیة بتلك القذائف الأربعة فقط، وأحرقوا أربع دبابات و آلیات للعدوّ.

4 –  یقول الملا برادر الذي عاش معاً مع الملا محمد عمر المجاهد في الجهاد بأنّ الدبابات الروسیة التي أحرقها الملا محمد عمرالمجاهد قد نسي الإخوة عددها لكثرتها.

وفي عام 1991م حین سقطت حكومة (نجیب) الشیوعیة وبدأت بعدها الحرب الأهلیة توقّف الملا محمد عمر المجاهد أیضا مثل بقیة المجاهدین المخلصین عن الفعّالیات العسكریة، وفتح مدرسة دینیة أهلیة بجوار مسجد الحاج إبراهیم في قریة (گیشانو) من منطقة (سنگ حصار) في مدیریة (میوند) بولایة ( قندهار)، و بدأ باستكمال دراسته الدینیة مع عدد من إخوانه المجاهدین بعد حیاة مضنیة لأربع عشرة سنة أمضاها في الجهاد.

هذه الفترة هي نفسها كانت الفترة التي اشتعلت فیها نیران الحروب اللاهادفة بین المنظمات المقاتلة في جميع أرجاء البلد بما فیه العاصمة (كابل)، و حالت الأغراض الذاتیة السیّئة لمسعّري الحروب التنظمیة دون الوصول إلی أهداف الجهاد والمجاهدین وتحقیق آمال أكثر من ملیون ونصف الملیون من شهداء الشعب الأفغاني المسلم.

القیام ضدّ الفساد، و تأسیس الإمارة الإسلامیة:

بدل أن یقوم النظام الإسلامي وتتحقق أمال المجاهدین  في أفغانستان نشبت الحروب الأهلیة في هذا البلد، ومن خلال مؤآمرة مدروسته أُضعِفَ المجاهدون الحقیقیون ونُحّوا من المیدان، وبدل أن یُحاكم ألشیوعیّون علی جرائهم قام بعض المجاهدین السابقین بضمّهم إلیهم، وبدأ البعض الآخر منهم بشكل منظم بنهب ممتلكات الناس والإهانه إلیهم، وهكذا خیّم علی البلد كله دور للهرج و الفساد الذي لم یر الأفغان السابقون له مثالاً في حیاتهم، فصارت أرواح الناس وأموالهم في معرض التهدید في كلّ لحظة، ونصب قطاع الطریق والجهال والسفلة حواجز علی الطرق والشوارع في البلد كله لفرض المكوس والأتاوات وفق أهوائهم علی عامة الناس، بل ولم یمتنعوا عن هتك الأعراض أیضاً.

ونُهبت الممتلكات المادّیة والمعنویة العامة، كما نُهِبَت غنائم الجهاد و الثروات الطبیعیة بشكل لم یُر له مثیل فی ما سبق. والشعب المسلم المجاهد الذي جاهد لأربع عشرة سنة لم یواجه خطر ضیاع ثمرة جهاده فحسب، بل أحدقت به الأخطار والتهدایدات في حیاته الیومیة أیضاً. وكان الفساد الإجتماعي، والقتل، والنهب، وأنواع الظلم والوحشة ومصائب المسلمین في ازدیاد بسبب فتنة الهرج والفوضی. وأوقعت هذه الظروف والحالات المجاهدین المخلصین الذین كافحوا لتحریر وإعزاز الشعب المسلم في قلق وعناء.

والملا محمد عمر المجاهد الذي كان یعیش مع بعض إخوانه المجاهدین في مدیریة (میوند) من ولایة (قندهار) أیضاً كان قد أحزنته هذه الظروف والحالات مثل بقیة المجاهدین المخلصین، لأنّه كان یری الحواجز قد نصبت فی كل مكان علی طول الطریق الممتد بین (قندهار) و(هرات)، وكان یقوم المسلحون المفسدون بإیذاء ونهب المسافرین المظلومین من النساء والعجزة، و كانت  تُنتهك أعراضهم و تُزهق أرواحهم. و یجدر بالذكر أنّ عدد الحواجز كان قد بلغ إلی حد كبیر حیث أنّ التجار الذین كانو ینقلون البضائع من (هرات) إلی الحدود الباكستانیة كانوا یحترزون المرور علی الطریق العام في (قندهار)، فكانوا ینزلون أموالهم في مدیریة (میوند) خوفاً من المسلحین في الحواجز، وینقلونها إلی مدیریة (بولدك) الحدودیة عن طریق الصحراء بتحمّل المشاكل الكثیرة لیكونوا في مأمن من شرّ أصحاب تلك الحواجز.

الملا محمد عمر المجاهد و إخوانه المجاهدون كانوا علی علم بأحوال مدینة (قندهار) أیضاً، والتي كانت قد تقاسمها المسلّحون الأوباش فیما بینهم، و كانوا یقومون بغصب ممتلكات بیت مال المسلمین ویبیعونها، كما كانوا یغصبون الأراضي الحكومیة ویبنون لهم علیها المتاجر والأسواق. وعلاوة علی كلّ ذلك كان أولئك المسلحون الأوباش في  قتال واشتباكات دائمة فیما بینهم والتي كان یُطحن فیها عامة الناس.

هذه الأوضاع المأساویة اضطرت المجاهدین المخلصین لأن یقوموا للقضاء علی الفساد بقصد الحفاظ علی أرواح عامّة الناس وأموالهم، فتشاور المجاهدون فیما بینهم، و عقد الملا محمد عمر المجاهد وإخوانه المجاهدون أول مجلس للشوری مع علماء المنطقة المعروفین في منطقة (زنگاوات) من مدیریة (پنجوایي) وقد طلب المولوي سید محمد المعروف بـ (المولوي پاسنی)- الذي كان قاضیاً لعموم المجاهدین في ولایة قندهار في زمن الجهاد ضدّ الشیوعیین – من الملا محمد عمر المجاهد في ذلك المجلس أن یقوم بالانتفاضة ضدّ الفساد، و أنّ جمیع العلماء والطلاب الموجودین في المجلس یقفون معه ویؤیّدونه. ومن هذا المجلس وضع الملا محمد عمر المجاهد لبنة الأساس لحركة طالبان الإسلامیة.  فكان الیوم الخامس عشر من شهر محّرم الحرام من عام 1415 هـ  مبدأ التحرك للكفاح ضدّ الفوضی والفساد.

ولمّا بدأت حركة طالبان الإسلامیة بقیادة الملا محمد عمرالمجاهد كفاحها ضدّ الفساد استقبلها الناس ورحّبوا بها بشكل واسع، فطهّرت في البدایة مدینة (قندهار) وفیما بعد مناطق كثیرة أخری من المسلّحین الأوباش المفسدین والفوضویین.

وبعد أن بسطت الحركة سلطتها علی مناطق كثیرة من البلد اجتمع عدد كبیر من العلماء وكان یبلغ عددهم إلی 1500 عالم لتأیید إمارة الملا محمد عمر المجاهد في الاجتماع الذي عُقِدَ بتاریخ15/ 11/ 1416هـ  في مدینة (قندهار) ولقبّوه بلقب أمیرالمؤمنین، و بتاریخ 6/ 7/1375 الهجري الشمسي سیطرت الإمارة الإسلامیة علی عاصمة أفغانستان مدینة (كابل) أیضاً، وبعدها أحكمت الإمارة الإسلامیة سیطرتها علی %90 من ساحات البلد بما فیها الولایات المركزیة والشمالیة.

أقامت الإمارة الإسلامیة بقیادة الملا محمد عمرالمجاهد نظاماً إسلامیاً علی أسس من الشریعة الإسلامیة، وقدمّت للعالم نموذجاً حیاً للنظام الإسلامي بعد غیاب طویل، و جنّب البلد من التقسیم، وجمعت أسلحة بیت مال المسلمین من الأفراد والمجموعات اللامسؤولة، وأوجدت أمناً مثالیاً في البلد.

الإمارة الإسلامیة قامت بكل هذه الانجازات في الوقت الذي عجز العالم بما فیه إدارة الأمم المتحدة عن مثل هذه الأعمال. إلا أنّ الكفّار المستكبرین في العالم لم یتحمّلوا قیام الإمارة وتطبیق الشریعة، ولذلك اتّخذوا موقفاً عدائیاً تجاه الإمارة الإسلامیة، وبدأوا یبحثون عن الحجج الزائفة ضدّها إلی أن هاجموا علیها عسكریاً.

شخصیة الملا محمد عمر المجاهد القیادیة:

یتمتع الملا محمد عمرالمجاهد كشخصیة قیادية بمواصفات خاصة. هو علی العكس من المسؤولین والقادة الكبار في العالم یكره التظاهر، ولایشتاق إلی الحدیث إلی الناس إذا لم تكن هناك ضرورة للحدیث، إلا أنّ حدیثه في أوقات الضرورة یكون رصیناً ومدروساً ومعقولاً. فعلی سبیل المثال حین كانت الحملة الإعلامیة الأمریكیة في اشتدادها في بدایة الهجوم الأمریكي للقضاء علی الإمارة الإسلامیة وبقصد التأثیرعلی معنویات المجاهدین، وكانت جمیع قنوات الإعلام الغربي المسموع والمرئي وقفاً علی الهجوم الأمریكي، طمأن الملا محمد عمر المجاهد شعبه ضدّ تلك الإشاعات الشیطانیة بروح مطمئنة وواثقة بالكلمات البسیطة التالیة المفعمة بالمعاني الكبیرة فقال:

( إنّ الله تعالی قادر علی كل شيئ، ولا فرق عند الله تعالی بین قوه أمریكا و قوة نملة، فلیسمع الأمریكیون وحلفاؤهم بأنّ الإمارة الإسلامیة لیست مثل نظام ظاهرشاه الذي سیفرّ أمیره إلی (روما) وسیستسلم جنوده لكم، بل هذا النظام هو في الحقیقة جبهات قویة للجهاد، فحتّی لو سیطرتم علی المدن وعلی العاصمة أیضاً، وأسقطتم الحكومة، فإنّ المجاهدین سیكمنون لكم في الأریاف والجبال ، فماذا ستفعلون آنذاك ؟؟! إنكم ستُقتلون مثل الشیوعیین في كل مكان، إعلموا أن إحداث الفوضی أمر سهل ولكن القضاء علی الفوضی وإقامة النظام أمر صعب للغایة. إنّ الموت حق وسیتذوقه كل إنسان لامحالة، فأن یموت المرء ذلیلاً في خسارة للإیمان في رفقة أمریكا خیر أم أن یموت مسلماً مؤمنا عزیزاً ؟!).

لعل كثیراً من الناس لم یدرك في ذلك الوقت مغزی الكلام العقدي للملا محمد عمر المجاهد تمام الإدراك، أمّا الآن وقد مرّت علی هذه الحرب الغیر المتوازیة المحیّرة مایقرب من أربع عشرة سنة، وهُزمت فیها أمریكا وحُلفائها بما فیها الحلف الأطلسي أمام مجاهدي الملا محمد عمر المؤمنین الشبه العزّل هزیمة واضحة، فیكونون قد فهموا حقیقة تلك الكلمات التاریخیة للملا محمد عمر المجاهد.

وفی بیان إذاعي آخر في بدایة الهجوم الأمریكي تحدّث إلی الناس وقال لهم في حدیثه مشیراً إلی الغزاة وعملائهم: ( إنّ الأسلحة یمكنها أن تقتُل، ولكن لا یمكنها أن تصرف القتل عن أصحابها). إنّ بعض الناس في ذلك الوقت كانوا ینظرون إلی هذه الجملة علی أنها جملة من جنس الكلام اللغو، إلا أنّ العالم رأی معنی تلك الجملة و مصداقها بأم عینيه في الحرب خلال الـ 13 سنة الماضیة، وهو أنّ أسلحة الغزاة وتقنیتهم الحربیة المتطورة قتلت كثیراً من الناس ولكنها لم تصرف الموت عن حاملي تلك الأسلحة والتقنیة الحربیة المتطوّرة، وهاهم یُقتلون ویُجرَحون ویؤسرون منذ ثلاث عشرة سنة بأیدي المجاهدین الأبطال بقیادة الملا محمد عمر المجاهد.

وصارت قوات العدوّ المغرورة المدّججة بأحدث أنواع الأسلحة تعترف الآن علناً بمقتل وإصابة آلاف من جنوده في أفغانستان.

إنّ العمل القلیل في میزان الملا محمد عمر المجاهد هو أرجح من الكلام الكثیر، وحیاته خالیة من التكلّفات والتشریفات، الفطرة والبساطة هي السمة البارزة لجمیع أبعاد حیاته، فهو یحبّ البساطة في الملبس والطعام، والحدیث، والحیاة كلّها، ویكره التكلف والمتكلفین، ویحبّ من إخوانه من یتصف بالتدبیر والاخلاص والجدّیة. وعوّد نفسه علی تحمّل المشاكل والعناء والمصائب بشكل جیّد، ویتصف برباطة الجأش في وقوع جمیع الحوادث والمشاكل الكبیرة. فلا یتطرق إلی قلبه الخوف، والاضطراب والقَلقَ، و لا یتفلّت منه زمام السیطرة علی النفس في جمیع حالات الأفراح والمصائب والانتصار والهزیمة، و یبقی رابط الجأش مطمئناً في جمیع الأحوال.

إنه یحترم العلماء والكبار، وتعتبر الطمأنینة، والوقار، والحیاء، والأدب، والاحترام المتقابل، والمواساة، والرحمة والإخلاص من خصاله الطبیعية. كما یعتبر العزم في جمیع الأعمال، و التوكل علی الله تعالی وحده، والرضا الصادق بالقدر من الممیزات الخاصة لحیاته.

وهذه الصفات جعلت من الملا محمد عمر المجاهد شخصیة محبوبة في نفوس أتباعه، ولاترتبط هذه المحبوبیة لا بالمنصب الظاهري ولا بالإمكانیات المادیة، ولازال أتباعة یطیعونه وقد مرّت ثلاث عشرة سنة علی الاحتلال الأمریكي و ینقادون لأوامره المكتوبة أو المسموعة تمام الانقیاد من دون أن یروه، ولا یمتنعون في سبیل تطبیقها عن التضحیة بالأنفس أیضاً.

إهتمامه بالقضایا الإسلامیة العالمیة:

الملا محمد عمر المجاهد بصفته مؤسس (حركة طالبان) وأحد قادة المسلمین یولي اهتماماً كثیراً بقضایا الأمة الإسلامیة، فهو دافع دوماً عن المسجد الأقصی قبلة المسلمین الأولی وعن قضیة المسلمین الفلسطینیین الحقة، وعن القضایا الإسلامیة المماثلة الأخری في  شرق العالم وغربه، ویعتبر تحریر المسجد الأقصی من الصهیونیین مسؤولیة شرعیة لكل مسلم، إنه قائد متألم بألم الأمة الإسلامیة، ولایكتفي بالأخوّة مع المسلمین و المواساة، و الإیثار، والتعاون في حدود الشعار فقط، بل أثبت التزامه بهذه القیم في میدان العمل أیضاً في كل وقت .

انتماؤه الفكري والعقدي:

یتبع الملا محمد عمر المجاهد من الناحیة الفكریة والعقدیة منهج أهل السنة والجماعة، وهو من مقلّدي المذهب الحنفي، ویكره الخرافات والبدع، ولا یحب الاختلافات المذهبیة والفكریة والتنظیمیة بین المسلمین، ویوصي إخوانه المجاهدین والمسلمین جمیعاً بالوحدة الإسلامیة والتضامن الفكري فیما بینهم، ویعتبر الوحدة علی أساس العقیدة بین المسلمین من أهم ضرورات العصر، و یری أن اتّباع السلف الصالحین والأئمّة المجتهدین في ضوء القرآن والسنة هو العامل الوحید لفلاح الأمّة الإسلامیة.

حیاته الذاتیة :

إنّ الملا محمد عمر المجاهد الذي أمضی قسماً كبیراً من حیاته في طلب العلم والمطالعة والجهاد، والدعوة وخدمة الإسلام یعتبر من الناحیة المادیة من أفقر حكام أفغانستان المعاصرین وأقلّهم استفادة من أموال بیت مال المسلمین. لأنه لم یحاول الاستفادة من وجاهته الجهادیة في الجهاد السابق في سبیل توفیر معیشة ذاتیة له، كذلك كان في إمارته العامة علی أفغانستان لسبع سنوات . فهولا یملك حتی الآن أي بیت للسكن فیه، و لایملك حسابات أو ممتلكات في أیة بنوك خارجیة.

وحین فرض مجلس الأمن للأمم المتحدة العقوبات الاقتصادیة الظالمة من طرفها وحكمت بتجمید الأرصدة والحسابات المالیة في البنوك الخارجیة لقادة طالبان كان الملا محمد عمر المجاهد بصفة أمیر إمارة أفغانستان الإسلامیة هو أعلی شخصیة في الإمارة لایملك أي حساب مالي بإسمه الاصلي أو بإسم مستعار في أي بنك لا في الداخل ولا في الخارج.

وفي أیام حكم الإمارة الإسلامیة حین تعرّض منزله لهجمات خطیرة وتسببت تلك الهجمات في استشهاد عدّة أشخاص بمن فیهم أفراد من أسرته قام المسؤولون في الإمارة الإسلامیة ببناء سكن له و مقرّ للإمارة الإسلامیة بقصد تأمین أمنیاته في الجزء الشمالي الغربي من مدینة (قندهار) بالقرب من جبل ( بابا صاحب) في المكان الذي لم تكن حوله بیوت سكنیة لعامّة الناس، وذلك المنزل أیضا كان ملكا لبیت مال المسلمین ولم یكن بیته الشخصي.

وفي عام 1996م حین لُقّبّ بأمیر الإمارة الإسلامیة من قبل ألف وخمسمائة من علماء البلد ووجهائها، فَبَدل أن یشعُر بالفرح أجهش بالبكاء وابتلّ رداؤه من الدموع، وفي نهایة الاجتماع خاطب العلماء الحاضرین في خطابه التاریخي قائلاً: (أیها العلماء! إنكم لعلمكم الشرعي تُعتبرون ورثة النبي صلّی الله علیه وسلم، إنكم الیوم وضعتم هذه المسؤولیة العظیمة علی عاتقي، فإنّ مسؤولیتي عن الاستقامة علی هذا الأمر أو انحرافي عنه في الحقیقة ترجع إلیكم. فیا أساتذتنا ویا أیها العلماء الموقورون! فإن حدث منّا تقصیر أو انحراف في تحمّل أمانة المسلمین فإن تقویمي وإصلاحي من مسؤولیتكم الشرعیة، فیجب علیكم آن تُرشدوا في ضوء علمكم الشرعي هؤلاء الطلاب إلی الاستقامة والسیر علی طریق الحق. فإن حدث من هؤلاء الطلاب أي تقصیر أو انحراف عن تطبیق الأحكام الشرعیة وأنتم تعلمونه ثم تسكتون عليه فإنّ الملامة عند الله تعالی ستكون علی عاتقكم، وإنني سوف أقاضیكم عند الله تعالی یوم القیامة) .

خُلُقه و سلوكه:

كان الملا محمد عمر المجاهد إلی جانب صمته يتحلى بالظرافـة والدعابة أيضاً، ولا يتعالی علی أحدٍ مهما كان أصغر أو أقلّ منه، و تعامله مع أصحابه تعامل حبٍّ و شفقة و إخلاص مفعم بالاحترام المتقابل، و معظم حديثه في مجالسه عن الجهاد.

بعد الهجوم الأمريكي:

إن الظروف الأمنية الصعبة و مراقبته الشديدة من قِبَل العدوّ لم تؤثّر علی وظائفه العادية وعلی تنظيمه ومراقبته للشؤون الجهادية بصفته زعيما للإمارة الإسلامية، وفي تلك اللحظات التي كان يعيش في أفغانستان في خفاء كان يبدأ نهاره بالعبادة و تلاوة القرآن الكريم، و حين تتيسّر له الفرصة كان يستغلّها في مطالعة التفاسير المتعدّدة والأحاديث الشريفة، ويتابع مراقبة الشؤون الجهادية ضدّ الغزاة بجدّية تامّة، ويصدر الأوامر بخصوص ترتيب و تنسيق الأمور الجهادية والعسكرية إلی القادة الميدانيين بطريقته المعيّنة، ويقوم بتقييم الانتصارات الجهادية ضدّ الغزاة و الأمور الأخری عن طريق الإعلام الجهادي و وسائل الإعلام العالمية، و من هذه الطرق كان يتعرّف علی الأحداث اليومية في البلد والعالم. فهذه كانت الأعمال التي تشكل المشاغل الأساسية اليومية لديه.

إن الملا محمد عمر “مجاهد” علاوة على مراقبته الشديدة من قبل المحتلين، فإن قد عين عليه جائزة قيمتها 10 ملايين دولاراً، لكنه رغم ذلك لم يخرج يوماً من أفغانستان، إلى أن وافته منيته بسبب المرض الذي أصابه خلال هذه المسيرة الجهادية. إنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد تم إعلان وفاته من قبل مجلس الشورى القيادي بالإمارة الإسلامية وأسرته بتاريخ 14/10/1436 هـ.

إن الملا محمد عمر “مجاهد” كان قائداً محبوباً على مستوى العالم الإسلامي، وحزنت بوفاته القلوب، وعبر الناس عن أحزانهم بفقده من مختلف أصقاع الأرض.

وقد جاء في البيان الذي نشره مجلس الشورى القيادي بالإمارة الإسلامية وأسرة الفقيد رحمه الله ما نصه: “إن الملا محمد عمر “مجاهد” كان يعيش في بلده رغم تفتيش، ومراقبة وضغوطات العالم الكفري بأسره، وطيلة السنوات الأربع عشرة الماضية لم يخرج ولا ليوم واحد من أفغانستان، لا إلى باكستان ولا إلى غيرها من الدول، وكان يقود شئون الإمارة الإسلامية من موطنه، وتوجد شواهد وقرائن تثبت عدم خروجه من البلد، وهذا في حد ذاته يبين شجاعته واستقامته، وقد وافته منيته قبل فترة اثر المرض الذي أصابه، والذي اشتد في الأسبوعين الأخيرين قبيل وفاته.

إن سماحة أمير المؤمنين الملا محمد عمر “مجاهد” – رحمه الله – قد أسس الإمارة الإسلامية كحركة عظيمة، خلفها أصول مبنية محكمة، وعقول مدبِرة مخلصة، وتشكيلات دقيقة منظمة، لذلك فليطمئن المجاهدون وجميع المسلمين، بأن جميع مسئولي الإمارة الإسلامية وأفرادها بفضل الله ونصره سيوصلون هذا المشروع إلى غايته المنشودة وفق أماني سماحة أمير المؤمنين الملا محمد عمر “مجاهد” رحمه الله. وما ذلك على الله بعزيز”.     والسلام